ينظر إلى صورة تكاد تشبه صورته انعكست ضبابية على المرآة . يتمعن في ملامحه المتنافرة ويركز نظره على العينين . تحمل الأعين دوما من الدلالات ما يعجز عن قوله ألف كاتب متمرس . هكذا كان يحدث نفسه في أغلب الأحيان . لكن الصورة لا تشبهه لعدة أسباب ، إنه يحركها ولا تحركه ، إنها تفعل فيه ولا يفعل فيها ، إنها جامدة وهو حي يملك إحساسا دافقا يوزعه بسخاء على المرايا الجامدة من حوله .
هل يكون الصورة الحقيقية الوحيدة بين المرايا
الزجاجية ؟
أم تراه مجرد انعكاس لواقع لا يملكه؟
لماذا تحاصره الأسئلة الغزيرة كلما نظر إلى الصورة التي تكاد تشبهه على المرآة ؟ لعله يتذكر حقيقته التي يحاول نسيانها طول النهار ، مرة وهو يستمع إلى خالدات بتهوفن ، ومرة وهو يشاهد مسرحية لشكسبير تسحره فصولها ، و أحيانا وهو يداعب ابنه الصغير ذو الأربع سنوات . مرة وهو يأكل. مرة وهو ينام . مرة وهو يفكر . إلا أن التفكير غالبا ما يقوده إلى المرآة . هناك ،حيث الصورة المبهمة تستلذ التنكيل بتفكيره . حيث الحروف الذابلة تحتل تضاريس العين المفترسة التي تتربص به خارج روائع بتهوفن ، ومسرحيات شكسبير ولحظات الحب العارمة التي يمنحه إياها ابنه الصغير . تشفع له دوما هذه الفسحة الرائعة التي يظن أنه يمتلكها . وهذا يكفيه مؤقتا.