يعد الرسام الهولندي "فان رين رامبرانت" أحد عباقرة الفن، ممن يشهد لهم التاريخ بالتميز والإبداع. ويمثل "رامبرانت" أحد ركائز الفن التشكيلي الأوروبي، في القرن السابع عشر، والذي طور عالم التصوير؛ برؤيته التشكيلية، وتعامله مع الظل والنور. كما أنه برع في تصوير الأشخاص، والتعابير الإنسانية العميقة، والمتداخلة، والمفعمة بالحزن والشقاء والمعاناة.. في كثير من لوحاته، المستوحاة من القصص الدينية والأسطورية.
السيرة الذاتية
ولد "هارفنزون فان ريجن رامبرانت" في 15 يوليو 1606، في مدينة لايدن، في هولندا. وهو الطفل الثامن من تسعة أولاد لعائلة هولندية عريقة. التحق بكلية الفلسفة، في جامعة لايدن؛ لدراسة الأعمال الكلاسيكية، في أوائل عمره، إلا أنه خلال فترة دراسته الجامعية، وجد فى نفسه ميلاً فطريًّا للرسم، فأخذ يرسم على دفاتره وكتبه المدرسية، وقرر أن يترك مقاعد الدرس، وأن ينشغل بالرسم.
واستطاع ـ بعد جهد كبير ـ إقناع والده بذلك؛ فترك الكلية ـ عام 1622 ـ وبدأ فترة دراسة فن الرسم، على يد الرسام الهولندي "جاكوب فان سوانبرغ"؛ الذي تلقى تدريسه الفني في إيطاليا.
وعاد "رامبرانت" إلى لايدن ـ عام 1625 ـ لكي ينشىء "استوديو" خاصًّا به؛ ليباشر أعماله، وتزوج من "ساسكيا" ـ عام 1634 ـ وقد تبددت ثروته بعد وفاة زوجته ـ عام 1642 ـ وعاش منزويًا ومدينًا. وفي عام 1657 بيعت مجموعات "رامبرانت" بالمزاد العلني؛ إلا أن المبالغ المحصلة لم تكف لسداد ديونه، وفي ـ عام 1660 ـ بدأ "رامبرانت" يعيش حياة العزلة في منزل ابنه، ولكنه استمر في تلبية الطلبات التي كانت ترده من محبي فنه، مثل لوحة "أعضاء نقابة صانعي الملابس"؛ التي أكملها ـ عام 1662 ـ وفي عام 1668 تزوج ابنه "تيتوس"، ولكنه توفي بعد زواجه بستة أشهر، فأصيب "رامبرانت" بحزنٍ عميق، وتراكمت عليه الديون؛ ليقضي حياته فقيرًا كما ولد. وتوفي "رامبرانت" في الرابع من أكتوبر 1669.
مأساة حبه
من قصص الحب التي تجمع بين الفرح والحزن.. بين الضحكات والدموع.. بين الرومانسية والتراجيدية، قصة حب الفنان الهولندي "رامبرانت"، لما لها من آثار على إبداع وحياة هذا الفنان. فلم يكن حبه للفتاة "ساسكيا" مجرد شعور عاطفي، بل إنها حركت في نفسه آيات الإبداع، وفجرت طاقات فنه. تزوج "رامبرانت" من "ساسكيا" في 22- 5- 1634. وكانت "ساسكيا" فتاة جميلة تشبه النساء في لوحات الرسام الفلمنكي "بول روبنز"، واتخذ "رامبرانت" من "ساسكيا" تعبيرًا عن الدفء والألفة الممتلئة بالعاطفة، وكان كلاهما يأمل في حياة سعيدة، بهذا الزواج، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن؛ فقد مات وليدها الأول والثاني والثالث، وكانت الضربة القاصمة لـ"رامبرانت" بالمولود الرابع؛ فقد عاش المولود هذه المرة، ولكن أمه "ساسكيا" هي التي ماتت في 14 يونيو عام 1642.
أعماله الفنية
تميزت أعمال "رامبرنت" بطبيعة خاصة مؤثرة، ويبدو ذلك من خلال رسم الشخصيات، والموضوعات الدينية الكثيرة، وأيضاً كان للأساطير نصيبٌ وافر من أعمال "رامبرانت"، إلى جانب صور شخصية "بورتريه" جاوز عددها ست عشرة لوحة، معروفة ومنتشرة في عدد من متاحف العالم. وحظيت باكورة أعمال "رامبرانت"، بإشادة الفنانين، والخبراء الفنيين، ونقاد الفن. وعد رسّامًا من الطراز الأول، حتى إن عمدة مدينة ليدن السيد "جوهانز أورليز كرس" قد خصص صفحة كاملة لحياة "رامبرانت"، في الطبعة الثانية من كتابه "وصف مدينة ليدن" جاء فيها: كانت موهبته عظيمة جدًّا، لدرجة أنه أصبح أحد أشهر الرسامين، ورسم الكثير من اللوحات والتخطيطات لزوجته "ساسكيا"، ورسم نحو 40 صورة لنفسه، وبين السنتين 1626 و1627 رسم "رامبرانت" لوحاته: "حمار بالما"، "القديس بول"، و"البخيل"، وتأثرت هذه اللوحات بالفن الإيطالي. وفي عام 1632، رسم رائعته الشهيرة "درس التشريح للدكتور تولب"، ورسم لوحته "اختطاف كانميد" الموجودة حاليًّا في متحف ليدن، كما رسم ـ في عام 1632 ـ لوحة "وجه سيدة في الثانية والستين من العمر"، ولوحة "وجه رجل ذي لحية يرتدي معطفًا أحمر".