الفنان التشكيلي التونسي حسين مصدّق
حسين مصدَق فنان تشكيلي تونسي درس الفنون الجميلة في سوريا، يشارك ويعرض أعماله منذ سنة 1990 في تونس وخارج تونس. و هو يتميز بأسلوب خاص ورؤية متميزة تشكل لوحاته، فهو اختار لمفرداته تميزا واضحا، واستعار لها من الألوان والخطوط قيما فنية خاصة ارتبطت في أذهاننا بالرسومات العفوية في مجتمع الأطفال، وهم يسطرون خطوطهم الأولى و يرسمون بفطرة و بعفوية وبراءة في محاولة لاكتشاف ما يحيط بهم من أشكال مجردة جاذبة.. وتؤكد أعمال الفنان بأنه يحمل ذاكرة ً بصرية ً حادة ، ذلك أنها مسكونة بعناصر ومفردات المكان. و هو يعمل باجتهاد واضح ليقدم لوحة تفضي بما تمليه تلقائية المشاعر للوصول إلى فضاءات هائلة الحجم ، شخوص أعماله يشكلون صورة من تلك الذاكرة بحركات من البساطة والعفوية، أضفت على لوحاته لمسة عميقة يشكل بها مسرحه الخاص المتمثل في بياض قماش اللوحة أين يحرك تلك الشخوص حسب تراكمات أحاسيسه ومشاعره. واستخدامه لهذا المنحى يتناسب ومواضيعه التي استمدت أحداثها من عوالم وجوه الناس، المرأة، جدران المدينة ونوافذها، الطبيعة الصامتة.. وهي عوالم محاطة بالخصوصية، ومن الصعب الولوج إليها أو الاحتكاك بها من قبل المشاهد إذا لم يتسلح بذائقة جمالية عالية ، برفق يأخذنا الفنان لنشاهد ونتعرف عن قرب ومن دون حرج على عوالم ومساحات لونية قاتمة محورها الرئيسي الضوء المنبعث من جدران المدينة ونوافذها، التي يحرك فيها شخوص لوحاته، يزخرفها أحيانا بمفردات من التراث البصري المرتبط بالعادات والتقاليد بتناول فني حديث . كما أنه يصوغ مساحاته بذكاء ممزوج بالعفوية ليبدع هذا الكم من الأعمال المميزة المتنوعة شكلا والمترابطة تجريبا وبحثا، حيث يصنع عالمه الخاص ضمن إطار اللوحة ويرسم لنفسه خطا وأسلوبا وهوية خاصة ، ليؤكد على شمولية الرؤية الخاصة بالمشهد الذي تدور أحداثه من خلف تلك النوافذ التي يرى أنها تنبي بكثير من الضوء المنبعث منها ومن خلف تلك الجدران التي تحجب المشهد بكل تفاصيله، منحازا لهذا الإنسان واغترابه، من خلال معاينته لتحولاته الفكرية والوجودية، لصمته ومعاناته و صخبه وابتهاجه..
و يقول مصدق متحدثا عن معرضه : " هو مجموعة جهد تواصل في السنوات الأخيرة ، تجريبا حينا على مستوى الموضوع و التقنيات ، و رسم ما بدواخل النفس و الذاكرة حينا آخر … و قد تثير قتامة ألواني و وجوه الشخوص الحزينة التي ستنجد في صمت قاتل شتى الانفعالات و الأحاسيس لدى الواقف أمام أعمالي و المتأمل لها .. و قد ينزعج الآخرون أكثر من تحطيمي لبعض قواعد فن التصوير الأكاديمي .. إن هذا المعرض نافذة جسدية و روحية في نفس الآن على ما تخفيه كل أشياء حياتنا وتفاصيلها المبعثرة في النسيان : ذاكرة الإنسان السابحة بين الأرض و السماء و الماء .. وهو تلك النوافذ التي تتراكم في ذاكرتي منذ طفولتي إلى الزمن الذي أعيشه اللحظة الآنية الممتدة في المستقبل : مستقبل الجسد و الروح و الأحاسيس المنفلتة من كل ما ذكرت .. فالوجع الساكن في نوافذي و المطل من لوحاتي ، يشكل تعبيري التشكيلي في كل تنوعاته و تلاوينه على ما يعانيه الإنسان المعاصر في رحلته المستمرة في التراب و الماء باحثا عن سبيل للإنعتاق من إرهاصات العولمة و ما ابتكرته من نماذج غريبة علينا ألقت بنا في دروب الاغتراب و التيه والضياع.. أن " نوافذ الذاكرة " دعوة شفافة و مفتوحة على الآمال و الآلام لإكتشاف المناطق المسكوت عنها في حياتنا و ربما مماتنا .. ". و دعا مصدق وزارة الثقافة و المحافظة على التراث ممثلة في المصالح المكلفة بالفنون التشكيلية التي مازالت لم تنتبه اليه إلى ان تهتم بتجربته وتشملها بالدعم الذي تستحقه وفق أهميتها .
***منقول***