روكس العزيزي
ولد روكس بن زائد بن سليمان العزيزي في مادبا عام 1903، درس المرحلة الابتدائية فقط في مدرسة اللاتين في مادبا، وتوقف عن الدراسة عام 1914 حين أعلنت الحرب العالمية الأولى، وبعدها أحضر له أبوه معلماً للغة الفرنسية وآخر للإنجليزية.
بدأ حياته العملية معلماً للغة العربية في مدرسة اللاتين في مادبا عام 1918 وترك التدريس عام 1942 ثم عمل أستاذاً للأدب العربي في كلية تراسانته في القدس، حتى عام 1948 حيث عاد وعمل في التدريس حتى عام 1974.
كان أول مراسل صحفي في الأردن عندما اعتمدته جريدة الأحوال البيروتية مراسلاً لها، انتخب عام 1976 رئيساً لرابطة الكتاب الأردنيين،وهو ممثل الرابطة الدوية لحقوق الإنسان في الأردن منذ عام 1956 وما يزال، نال من التكريم ما لم ينله أديب أردني آخر تقديراً له على جهوده العظيمة في البحوث التراثية والدراسات، نال عضوية شرف لمجمع اللغة العربية الأردني، حصل على وسام التربية والتعليم ووسام الصليب الأبيض الذي لا يُمنح إلا لخاصة الخاصة، ومنح شهادة يوبيل جلالة الملك حسين الفضي التكريمية في الأدب عام 1977، ونال وثيقة التقدير الذاتية على أعماله المتميزة عام 1982، كتبت جوليا الربضي رسالة ماجستير من الجامعة اللبنانية عن رسالتها (روكس بن زائد العزيزي حياته وآثاره سنة 1993) وأعد د. عبد الله رشيد رسالة دكتوراه من الجامعة اليسوعية موضوعها (روكس بن زائد العزيزي حياته وآثاره) عام 1996. وتوفي في عمان بتاريخ 21/12/2004 عن عمر يناهز الـ 101عاما، ودفن في بلدته مادبا.
مؤلفاته:
أبناء الغساسنة (قصة) (ط1) القدس: مطبعة الأباء الفرنسيين، 1936، صيدا: مطبعة العرفان، 1954.
نخب الذخائر (تحقيق مشترك مع الأب الكرملي) القاهرة: مطبعة البرتيري، 1939.
علم النميات (لغة) تحقيق مشترك مع الأب الكرملي) القاهرة: مطبعة البرتيري، 1939
تاريخ اليمن (تحقيق مشترك مع الأب الكرملي) القاهرة: مطبعة البرتيري: 1939.
فلسفة أوريليوس، عمان: (د.ن)، 1942.
المنهل في تاريخ الأدب العربي (ج1) (ط1) القدس: مطبعة الأباء الفرنسيين، 1946.
(ط2) القدس: مطبعة الآباء الفرنسيين، 1950.
(ط3) القدس: مطبعة لورنس، 1956.
(ج2) (ط1) القدس: مطبعة الآباء الفرنسيين، 1948.
(ط2) عمان: مطبعة الشركة الصناعية، 1958.
(ط3) القدس: المطبعة التجارية، 1958.
سدنة التراث القومي (تراجم) القدس: مطبعة الآباء الفرنسيين، 1947.
8.الزنابق (مختارات من الشعر والنثر: 7 أجزاء)
(ط1) القدس: مطبعة دار الأيتام الإسلامية، 1950.
(ط2) بيروت: مطبعة دير المخلص، 1952.
(ط3) القدس: مطبعة لورنس، 1956.
(الجزء السابع، الطبعة الثانية) عمان: مطبعة الشركة الصناعية، 1959.
9.فلسفة الخيام، بيروت: المكتبة العلمية ومطبعتها، 1952.
10.مقدمة لترجمة رباعيات الخيام عن قلم الدكتور أحمد زكي أبو شادي، بيروت: المكتبة العلمية ومطبعتها، 1952.
11.أزاهير الصحراء (قصص) صيدا: مطبعة العرفان، 1954.
12.شاعر الإنسانية (تراجم) القاهرة (د.ن) 1955.
13.الخلافة التاريخية (تاريخ العرب: جزآن) (ط1) القدس: مطبعة الأباء الفرنسيين، 1956.
(ط2) القدس: المطبعة العصرية، 1983.
14.فريسة أبي ماضي (بحث) عمان: مطبعة الاتحاد، 1956.
15.الأردن في التاريخ وهيئة الأمم، عمان: مطبعة الجيش العربي، 1957.
16.مادبا وضواحيها (بالاشتراك مع الأب جورج سابا): (تاريخ وآثار مصور) القدس: مطبعة الآباء الفرنسيين، 1961.
17.تطور حقوق الإنسان (بحث) بيروت: مطبعة العرفان، 1965.
18.الإمام علي أسد الإسلام وقديسه (تراجم) (ط1) النجف: مطبعة النعمان، 1967.
(ط2) بيروت: دار الكتاب العربي، 1979.
(ط3) عمان: المطابع العسكرية، 1983.
19.الأرض أولاً (مسرحية ومسلسل) بيروت: مطبعة العرفان، 1973.
20.قاموس العادات واللهجات والأوابد الأردنية (3 أجزاء).
(ط1)عمان: مطبعة القوات المسلحة، 1973.
(ط2) عمان: مطبعة القوات المسلحة، 1981.
21.الطفل في الأدب العربي، الجزائر: مطابع الشركة الوطنية للنشر، 1975.
22.معلمة للتراث الأردني (بحث مصور من خمسة أجزاء)
(ج1) عمان: المطبعة النموذجية، 1981/1982.
(ج2) عمان: المطبعة النموذجية، 1982/1983.
(ج3) عمان: شقير وعكشة، 1983.
23.جمد الدمع (سيرة ذاتية) عمان: مطبعة الدستور، 1981.
24.من توصيات المماليك للرهبان في القدس -الرياض: المؤتمر الثالث لتاريخ بلاد الشام، 1981.
25.المجتمع البدوي، الرياض: دار اليمامة، 1982.
26.ذكريات من البادية، الرياض: (د.ن)، 1987.
27.الأرض أولاً (مسرحية) مان: وزارة الثقافة، 1989.
28.مقدمة جمهرة أنساب العرب، دمشق، (د.ن)، 1989.
29.حكايات من البادية، بيروت، دار الحمراء، 1990.
30.الأنظمة والقوانين في البادية، بيروت، دار الحمراء، 1990.
31.نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، عمان: وزارة الثقافة، 1991.
32.المبتكر لتعليم اللغة العربية (مصور شارك فيه إبراهيم القطان) عمان: مطبعة الشركة الصناعية (د.ت).
33.المساعد في الإعراب: (4 أجزاء)، بالاشتراك مع الأستاذين خالد الساكت ومحمد سليم الرشدان)، القدس: مطبعة المعارف (د.ت).
34.تطور الشعر في البادية (بحث) عمان: (د.ن) (د.ت).
35.مذكرات الدكتور أمد زطي أبو شادي (تحقيق) بيروت: مجلة العرفان، (د.ن).
36.وحي الحياة (تأملات) بيروت: مجلة العرفان، (د.ت).
37.النظام الإداري في العصر العباسي، بغداد (د.ن)، (د.ت).
38.النظام المالي في العصر العباسي، بغداد (د.ن) ، (د.ت).
39.مفاهيم عصرية في الأردب المؤتم، عمان (د.ن)، (د.ت).
40.نحن نرسم وأنتم تكتبون (3 أجزاء) مشترك مع المرحومين حسني فريز ومحمود العابدي، عمان: مطابع الجميعة العلمية الملكية (د.ت).
41.أنر ولو شمعة (مقالات) عمان: (د.ن)، (د.ت).
42.الشرارات من هم (أنساب) عمان: (د.ن) 1993.
43.يوميات الدكتور أحمد زكي أبو شادي (تحقيق) عمان: وزارة الثقافة، 1995.
* بالإضافة إلى عدد كبير من المسلسلات والمسرحيات المعروضة في الأردن، وعدد من الدول العربية.
أبناء الغساسنة
*روكس بن زائد العزيزي
ما أنت في حفظ([1]) المصحف قاتلك الله يا خاين([2]) العيش والملح([3]).
انقل - واللهع ما تظل بالكرك يا حتيت الشيب.
يخرج سيدنا الشيخ والسماء تكاد تبصق في وجهه، ينظر وكأنه يرى كل ما في الكرك من حجارة وذرات تراب. تنادي بما ارتكب. ومع هذا فقد كان في الجلسة بعض المؤمنين برجل الله البار. وبكرامة الشيخ وقد كانوا يتوقعون الصاعقة تنقض على رأس إبراهيم الذي يهين أولياء الله، ورجال الدين.
وراح الشيخ يرى نجوم السماء أفواها تبصق في لحيته الطويلة البيضاء، والأعشاب السنا تسلقه. فهرب من الكرك إلى حيث لا يعلم إلا الله ويدور الكتاب في الكرك فلا يجد من يقرأه إلا صانع مصري فإذا الكتاب فيه ما يلي:
إلى شيخ الكرك إبراهيم الصمور
تسلم الكرك، وتخضع ورجالك وإلا أحرقت ولديك.
الأمضاء -إبراهيم (باشا)
ها هي ذي الصاعقة تنقض على رأس إبراهيم. تسلم الكرك وتخضع أنت ورالك، وإلا أحرقت ولديك.
إذاً فالكرك عرض الكركيات، حرية جماعتي، عزة نفسي، ونفوسهم في كفة وحياة السيد وعلي في كفة ثانية.
ربي ما كذا يقسو القدر على البشر... والله ما أنا من الأولياء يا رب فاحتمل هذا. إني والله أحب الكرك، وأحب الشرف، وأفضل الموت على الذل والعار. ولكن السيد وعلي.. والله إني أصوم وأصلي وأطعم الجائع وأكسو العاري!.. ما كذا يا ملائكة الله. ورسل الله!.. (شعر)
والله ما طاطيت([4]) -عمري- على الخنا
ولا لذت([5]) على الجارات والبحار غايب
إلهي إما خلود الشرف وإما خلود العار والذل. أدلك لأنك تعلم أن أهل البادية، أقسى قلوباً من أهل الحواضر أم لأنك تعلم أن أهل الحواضر عاجزة عن أن تقوم بمثل أحمالنا؟ لست وحدي أتحمل هذه المصيبة إن وراء هذا الستر قلباً ما أظنه مستعداً لاحتمال ما أنا مقدم على احتماله ينادي -عليا. عليا.
تدخل عليا وهي نصف ([6]) طويلة، في عينيها كل معاني الأنوثة يهابها الرجال لما عرف من عفافها. عزيزة النفس، أمثلية النظرات([7])، ولم تفارق الابتسامة ثغرها. لم تر مغرقة في الضحك، عطوف على الفقراء. لم يرها زوجها مدبرة من يوم زواجها. ترفل في غاب أثيث من الشعر الأسود. تنتشر في وجهها مراجيع ([8]) الوشم التي يراها البدو من متممات السحر والجمال. ما وجدها زوجها على طول سهراته - نائمة، ولا شاهدها متضجرة من الدهر فهي أبدا صابرة فخور ذات رأي صائب يجد فيها إبراهيم عوناً في ملمات الأمور.
تدخل فتنكر ما في وجه إبراهيم من تجهم واضطراب.
"إبراهيم، والله ما أنت بلا مصيبة. قل بالله عليك"
يجيبها إبراهيم: "عليا والله ما أخذتك([9]) لبياض خدك. ولكن لأني أعرف أنك من أشرف نساء الكرك. عرفت عمي -يرحمه الله- فعرفت فيه البطل الكريم، ولإعجابي هذا تزوجتك وما تزوجت غيرك على أمل أن يكون لي منك أولاد يصونون عرضي ويحمون شرفي. واليوم قدر الله أن يختبرنا. وهذا الباشا يقول "تسلم الكرك - وأنت عارفة معنى تسليم الكرك معنى تسليم الكرك تسليم عرضك وعرض الكركيات لجيوش إبراهيم. هذا معنى التسليم يا عليا - وإلا أحرقت ولديك".
الناس يطلبون الحياة للشرف وحماية العرض، والباشا يريد أن يسلبنا ما هو أعز من الحياة، والله ما أدري رأيك في هذه القضية؟
أجابت عليا - "الرأي لك والله ما على الحياة أسف بعد العرض والشرف. ألف إهانة لمال ولا إهانة للعيال. ألف إهانة للعيال ولا إهانة للعرض. ألف إهانة للعرض ولا إهانة للدين، فلا والله شرفك وعزة نفسك، وشرف الكركيات أولى من حياة السيد وعلي، وعلى كل حال لو قلت للسيد وعلي أريد خلاصكم بتسليم الكرك فإنهم يرفضون، قل للباشا يقتل إن كان لا يقبل الجزية([10]).
يخرج من في المضرب معجبين ببطولة إبراهيم وعليا ولكن إبراهيم لا ينام وعليا تقضي ليلها ساهرة. وفي الصباح يعقد الكركيون مؤتمراً يقررون فيه تسليم الكرك تخليصتً للسيد وعلي ويذهبون إلى إبراهيم يعضرون عليه رأيهم ينشدون:
يا شيخ حنا([11]) عزوتك([12])
قوموا على سوق المنايا
جلابيك([13]) يوم المبيع
العيب على اللي([14]) ما يبيع
يدخلون بأسلحتهم فيطلبون إليه تسليم الكرك لإعادة ولديه فيجيب بأنفة:
لا والله. لا والله. زعيم الكرك يتجرع حلوها ومرها، زعيم الكرك يحمل ثقيلا حمولها، زعيم الكرك يحمل خيرها وشرها، لا تحاولوا إقناعي، والله لا أسلم الكرك للدولة ولو أحرقوا السماء فوق السيد وعلي.
العيال؟ الحياة؟ ما أعرف لها قيمة. الشرف خير منها اذهبوا عني وإلا قتلت نفسي بسلاحكم. استعدوا للموت. كلنا نموت السيد وعلي فداء للعرض والشرف نار الباشا ولا نار الفضيحة والعار.
روحوا([15]) روحوا قولوا للناس تحمل سلاحها. غنوا ارقصن يا بنات اليوم يوم الفرح والعيد.
أصوات تلعلع في الفضاء، زغاريد، رقص أهازيج، عيارات نارية، الكرك تموج بحماسة هرعية([16]) رسول إبراهيم الضمور للباشا يتوجه حاملاً هذه الكلماتا النارية.
"اقتل، احرق، والله ما تدخل الكرك وإبراهيم الضمور حي، احرق وأنا أقدم لك الحطب والقطران".
ينصرف القوم ويحيطون بالكرك خوفاً من هجوم الجيوش، وإذا الجيوش تتدفق على الكرك فيقابلها الكركيون، رجالهم ونساؤهم وأطفالهم بصلابة لا تعرف الخوف ولا الجبن. الحجارة تتدحرج من أعالي الجبال فتسحق الصفوف سحقاً والرصاص ينهال كأنما هو يتدفق من كوى في السماء وإذا الجيوش التي روعت الاستانة وأقلقت أوربة ترتد أمام إباء وقوة شراذم من البدو أجسامهم عارية أو كالعارية.
وإذا المنادي يصرخ "إبراهيم الضمور إبراهيم الضمور. انظر النار تأكل ولديك".
وإذا أكوام الحطب تلتهب وإذا طوفان من النار تغوص فيه جثتا السيد وعلي. زغاريد عليا والنساء ترددها أجواز الفضاء. دمعة حائرة تمور في عيني إبراهيم فيزجرها. ويهيب بالنساء والرجال.
"غنوا. هذا عيدنا. ردوا على الباشا"
ثم وقف وقد غاب عنه كل شعور بالحياة. غاب في سكرة من الألم وتأنيب العاطفة الأبوية والشعور بالعزة. رأى كل ما حوله أشباحاً تتحرك فلا إرادة. ولا قوة ولا بصيرة. لحظة من الوجوم والجمود تلاها صوت يدوي كالرعد:
والله ما أنا بالرجل الذي تهمه الحياة في سبيل الشرف وليعلم الباشا إني رجل لا كباقي الرجال، ليعلم أن لي نفساً تفوق نفوس البشر وإن كانت على الرغم منها ومني تسكن كبقية النفوس في هذا الهيكل الرث الذي يشبه الهياكل البشرية.
ليعلم أن لي نفساً لا يذلها الحب، ولا تستعبدها العاطفة لقد ضحيت بولدي مبتسماً من حماقة الدهر الذي يحاربني ظناً منه أنه يجد من إبراهيم سليل الغساسنة ذلك الرجل الرعديد الجبان. فإلى اللقاء يا السيد! إلى اللقاء يا علي!
*من كتاب: ألوان القصة الأردنية، منشورات دائرة الثقافة والفنون، عمان، 1973.
[1]حراسة.
[2]خائن.
[3]خائن العيش والملح من يغدر بمضيفه ولا تقبل شهادته عند البدو.
[4]طاطى على الخنا تغاضى عنه.
[5]لاذ على الجارة زار جارته خلسة.
[6]بالتحريك المرأة بين الحدثة والمسنة وتصغيرها نصيف.
[7]ما يعبر عنها بالأرستقراطية.
[8]ما تكرر منه.
[9]تزوجتك.
[10]الكلام البدوي إذا كتب ظهر كالفصيح غالباً.
[11]نحن.
[12]رجالك الذي تعتز بهم.
[13]جمع جلوبة وهي الشاة التي ترسل إلى السوق.
[14]الذي.
[15]اذهبوا.
[16]هستيرية