مساء الموت

مساء الموت

في مساء شتوي عارٍ من الغروب و على طريق ترابي وعر أخذ يوزع خطواته المنهوكة، يجرُّ ما تبقى من أحذيته القديمة نحو قمة ذاك الجبل البعيد حيث يرقد ولي من أولياء الله.

" بركاتك أيها الولي،أنا في عارك،و ما جئتك إلاَّ خاضعا طالبا منك أن تطلب من الله أمنيتي."

يتمتم في مناجات ، يتحسَّسُ جنبه،الخنجر لا يزال معلّقا،يمرِّر يده عليه بحذر. يعصر جدارا صلبا في داخله و هو يحثّ الخطى قبل أن يصل ذاك الظلام الداكن الآتي من الغرب حيث السماء لا محالة ستعلن عن مطر كثيف جارف.

* * *

في مقهى عصري عال ، وعبر واجهته الزجاجية حيث المطر ينساب دون توقف جلستْ و في يدها فنجان قهوة ساخن تراقب قطرات الماء المنسابة ، و تتأمَّل ذات الله في مخلوقاته.

" يا الله إنك تعلم ما في قلبي و ما سأطلبه منك فأنت العليم الخبير. إنني أتوجع، أحترق،لكني عازمة، إنه في قلبي يحفر كالمدية."

تناجي نفسها، تنظر إلى الخنجر الممدد في غمده على الطاولة، تتحسسه بيدها،تغير مكانه، تتذكّر أيامها المشرقة في شارع "بورغون"، تركز نظرها على امرأة تسقط في بركة من الماء، وعلى حائط يغسله المطر من بول الناس و خربشات الأيدي المراهقة.

* * *

كان سيكتب لها رسالة فاضحة،كان سيقول فيها ما تمناه من أجلها. و ما سيطلبه الآن عند الولي الصالح كان سيترجمه حروفا و كلمات على ورق تعرفه جيدا، وسيرسلها بالبريد المضمون حتى يتأكد أنها ستصل.

المطر بدأ بجنون، السماء تهرق ملايين الأطنان من الماء على جسده ، أصبح المكان موحش غريب، يقاوم الإرتفاع والماء، يسرع الخطى للوصول إلى القمة حيث الولي الصالح و الأمان. تتدحرج صخرة من علٍ، تصطدم به و ينحدر في تراخٍ مع الماء الجارف نحو الأسفل.

* * *

يتوقف المطر ، المقهى فارغة، وعبر الواجهة الزجاجية المنمقة بقطرات الماء ترى الشمس موحشة في آخر الشارع الذي اغتسل قبل قليل من بول الناس. تتنمل رجلاها ثم كافة جسدها. تشاهد ألوان قوس قزح في الأفق المغلق، و أطفالا بأجنحة ترفرف حولها في مرح، تبتسم، ينطفئ نور في عينيها، ثم تستلقي بهدوء على أريكة المقهى.

* * *

عثر الأهل في بيته الطيني في قريته الصغيرة المهملة " بني عمارت" و هي إحدى قرى مدينة "الحسيمة " على رسالة يطلب فيها فاطمة أن تعود إليه و لو لمرة واحدة :
....أريد أن أراك، أريد أن نعيش هاهنا بين جوزاتنا و صفصافنا و اللوز الغليض،أتذكرين جلساتنا بين كومات الزرع؟ آه كم أحن إليك و إلى أيامنا. عودي إلي أريد أن .........
وفي آخر الرسالة كلمات و جمل مشطبة لغرض ما لم يسطتع كل مثقفي القرية فكّ رموزها.

* * *

عثرت الشرطة الفرنسية في شقتها في أحد أحياء مدينة " أورليون/orleans" على رسالة تحث فيها خالد أن يدع كل شيء في قريته و يطير إليها:
....أريد أن أراك ولو لمرة واحدة، دع عنك الحرث و الزرع و البئر المهجور و تعالى إلي ، ستعجبك الحياة هنا،إنها رائعة ، لكنها بدونك موحشة غريبة. سأقول لك....
و في آخر الرسالة كلمات و جمل مشطبة لغرض ما لم تسطتع الشرطة المتخصصة في علم الخطوط فك رموزها.

* * *

جريدة صباحية تأتي بخبر مفاده أن رجلا عُثر عليه مقتولا بخنجر حبيبته، وامرأة عُثر عليها مقتولة بخنجر حبيبها.

اخي الفاضل

تعابيرك تعكس امتلاكا لفن الكتابة القصصية
ننتظر منكم مزيد الامتاع بكتابات اخري

نهاية القصة جد مؤثرة
تذكرنا باساطير الاغريق

دمت مبدعا

أخي الفاضل محمد أعشبون
مرحبا بك في قطر الفن مع أول مساهماتك.
و لكن عندي استفسار بسيط، ياترى هذه قصة واقعية، و قد وقع ذكر اسماء المدن التي وقعت فيها الأحداث،،أم هي خيالية من نسيج أفكارك القصصيّة؟
أحسنت في نصك و في طريقة كتابتك و نُضمك و تسلسل الاحداث الموجعة في خاتمتها
تحياتي و منتظرين منك المزيد من مساهمات أخرى
دمت متألقا

الاخ محمد ابدعت في كتابتك هذه وفقك الله لمزيد من الابداع

chokran abou yousef 3la mourourika ljamil

chokran souha hiya 9issa ikhtalata biha lwa9i3 wa khyali hatta sa3ouba 3laya aydan an ouhadida mahiyataha falna9oul 9issa li wa9i3in ma

chokran akhimohamed 3ala kalimatika ljamila ini a3tazzo bikouli man you3ani9o lkalimata ljamila

مبدع مميز عدد الرسائل : 950

قصة تحمل اثارة وتشويقا .عنوان يشد القارئ من الوهلة الاولى ويحثه على تعرف المضمون وان كان يومئ به ضمنيا .
مقدرة جيدة في التعامل مع التقنيات القصصية ،انتقال ممتع من سرد السارد الى حوار الشخوص.... نص سردي ينبئ عن خيال رحب لسارد ننتظر منه الكثير ان شاء الله .
والى ان نعانق ابداعا اخرا منكم ، لك مني استاذ "محمد" كل الشكر .
تحياتي ومحبتي.