الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأحد 9 أغسطس - 8:27
الصبح حزين، مليء بالأمال الزائفة، كل التوقعات تنبؤ بسقوط المطر، ومعه سقوط الكثير من التصورات، وانبناء جدار برلين بينه وبين امرأة طالما قطع معها أميالا في أرجاء الوهم، متغافلا عن الشك فيما بعد الحضور، لأن كل حضور في منطق التاريخ، ليس إلا ما يسبق المُضي والأفول.. الشك يقطع باليقين، واليقيني هو المُضي والغياب. وصل مقصف الكلية، جلس يرتشف قهوته الصباحية بمرارة كبيرة، وهو يتأملها، حَامَ حولَه طقس من الشحوب والدكانة، سرعان ما حاول انتشال نفسه منه وهو ينظر إلى بعض المساحات الخضراء التي لم يطلها بعد ضباب الكآبة.. وهو يمد بصره الحائر بين أشياء يعاود التعرف عليها من جديد وِفق رؤية جديدة، تصطدم عيناه بشجرة؟ يتوقف طويلا عندها شاخصَ البصر، ينظر إليها بانكسار في عينيه لا يقدر أحد غيرُها أن يراه، إنها عينه أو عينها التي انكسرت في بيعة لا مباركة تحت الشجرة.. إنها شجرة ستظل شاهدة على إعلانه الكاميكازي في اغتيال أجمل الأشياء ومحوها من الوجود بمرارة مطلقة وبطريقة جميلة تنم عن أنانية مثالية، نتيجتها تبدأ من هذا الصباح لكن لا ينهيها المساء.. تساءل في قرارة نفسه:"ألم يقولوا إنه إذا كنت تحب كائنا ما فأعطيه حريته؟" ثم أجاب: "هو سؤال صادر بالتأكيد عن أحد لم يتعلم يوما معنى أن يُحِب.. أو هو قول من ليس متفرغا لأن يُحَبَ.." هزتْ أهدابَ معطفِه الأسود الطويل، زمجراتُ الريح الصباحية، التي يرسلها السماء المكفهر ظلما وعدوانا عليه كلما اعتقد امكانية عقد السلام مع القدر، لتهتز أمام أعينه أغصانُ الشجرة، وبعض الأوراق الشاحبة، ليهمس من جديد: " تسقط الأوراق تباعا وتُبدل مرارا وتكرارا، لكن الشجرة تبقى هي الشجرة، إن كانت مستقيمة فهي مستقيمة وإن كانت مُعوجة فهي مُعوجة فلا وجودُ الأوراقِ ولا انتزاعُها يضيرها..؟" تستفزه الشجرة وهي تعزف بأنامل أغصانها، سمفونية الكبرياء، وهي تتمايل في ليونة، لا يدرك أنها رقص على إقاعات الفرح، أم التواءات من شدة التفجع والوجع؟ ليهمس في نفسه مرة أخرى: "إنها رغم انصياعها شبه الكامل ومرونتها مع الأجواء واستسلامها للريح تبقى الشجرة هي الشجرة، فلا الاتجاه يمينا أو شمالا ما لا يجعلها شجرة.." ..يتساءل دونما رابط جلي بين ما هو ماثل أمامه، وبين ما هو جاثم بداخله: لماذا يراهن المرؤ على إنهاء كل العلاقات الجميلة في حياته؟ يجيب بتلقائية: "لأنها ستنتهي عاجلا أم آجلا.." وهو أمر لا يستصيغ التفكير فيه خصوصا عندما يتعلق الأمر بكِ؟ إنها أنانية الكائن الذي بداخله، إنها رغبة الإمتلاك التي لا تنفك في الحظور في ذاته، ولو في أبسط الأشياء، كأن يطبق يديه كاملة وبقوة على كأس قهوته التعيسة..؟ يراجع خارج الشعور بالزمن أحداثا كثيرة، تمتد على طول ساق الشجرة وأغصانها وأوراقها.. ينتقل بين السؤال والإبتسامة والدهشة والتردد و الذهول والاستبشار، إلى أن تصطدم عيناه بغمام الخيبة الكبيرة التي تحجب زرقة السماء في هذا الصباح.. هو صباح غريب الإصباح: لأنه يحيل على الإنتهاء النهائي لا على الإبتداء والتجدد المعهود..؟ رغم بقاء السؤال مفتوحا هل انتهى كل شيء؟؟ فإنه سيحقق القطيعة الصعبة بين ذاته في الماضي، وذاته في الحاضر.. يحظر السؤال المؤِرق مرة أخرى: لماذا نقتل كل الأشياء الجميلة في حياتنا؟ لماذا الحكم بالإعدام مع التنفيذ في حق أحلى وأعذب وأرقى الوشائج والإرتباطات..؟ قبل أن يجيب على هذا السؤال، قال: "لو كنتُ بغرفة الإعدام وكان السؤال المطروح هو ما الوسيلة المفضلة لديَ لأُعدم، لكان الجواب أهون من الجواب على هذا السؤال المؤرق.." الزمان كفيل بالإجابة عن سؤال في الوجود، كان النصيب الأوفر في حمل ثقل الإجابة عنه من نصيب هذا الكائن الذي كلما حاول التشكل والاتساق داهَمَه التشظي والتشتت..؟ قد نقتل الأشياء الجميلة في حياتنا فقط لأننا نحبها. لأننا فعلا لا نملك إلا أن نقدسها كمحاربين مادمنا اخترنا لأنفسنا أن نكون قرابين.. شريطة أن تكون كاملة لنا، إما نكون أو لانكون فهي التي تحدد كينونتنا.. فلنقتل كل ما نحب ونهوى ونقدس بالحب والمحبة ومهما كانت الخسارات كأن يكون الإعدام أول الخيارات والإحتمالات.. هكذا ننهي كل جميل، منتظَر الانتهاء بفعل الزمن، بحبه، لأن الحب على الأقل جميل، وقتل الجميل يكون أرحم لما تكون الطريقة أوالأداة جميلة.. ألقى آخر نظراته على كأس القهوة -وكأنه يودعها ويودع مرحلة طويلة من حياته- الذي لم يبقى فيه إلا ترسبات الزبد البني.. كل شيء ينتهي سواء كان أبيضا أو أسودا، أوذالون.. ولا يبقى إلا رصيف الذاكرة المبلط بمثلثات الحزن ومربعات الفرح ودوائر الحلم.. استقام من مقعده المحجوز في مهب الريح، أمام الشجرة الباسقة، نظر إليها بذهول مرة أخرى، متسائلا من جديد هل تختار الشجرة لكي تضمن البقاء والاستمرار، أن تكون ساقَها الصلبة ؟ أم أغصانَها اليانعة؟ حتما ساقُها الصلبة تثير شهوة الفأس، أما الفروع الخضراء فعلى الأقل لا تستهوي إلا الطيور والفراش والعصافير.. ومضى يحمل خيبته في أوراقه، تحت إبطه، يعبر في اغتراب كبير، مسالك الكلية بين النباتات والزهور، الأبيض يذكره ببلاغة واختصار بتناقضات الحياة أبيض الزفاف، أبيض القماط، أبيض الكفن وأبيض الحداد، والأصفر يحيله على طموحات ذهبية، على الساعة والخاتم اللامعين والابتسامة المشرقة.. والأحمر يختصر كل مساحات التأويل ويقود مباشرة إليكِ..؟ رغم الجو المكفهر هذا الصباح.
السبت25-04-2009/8.30 إليك حيثما أنت من حيثما أنا
محمد السواعي مبدع
الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 641تاريخ الميلاد : 02/04/1966العمر : 58الدولة : الاردنالهواية : مديرمالي/محاولات شعريهالمزاج : رايق
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأحد 9 أغسطس - 16:37
الاخ زهير تسلم على الموضوع الرائع وفقك الله لمزيد من الابداع
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأحد 9 أغسطس - 21:54
استاذ السواعين شكرا جزيلا على دعمك..
محمد عبدالله الزوي مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 83الدولة : الجماهيرية الليبيةالهواية : ـ فنان تشكيلي ـ قاص وشاعر
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الإثنين 10 أغسطس - 5:58
إمرأة يبكي لغيابها الصباح.. سرد جميل لا يخلو من الصور الجميلة ومونولوج داخلى يتفاعل مع محاورة البطل لنفسه وتكثيف للرموز أضفى على هذه القطعة النثرية جماليات واضحة.. أخي العزيززهير سليماني لقد نجحت في أن تحبس أنفاسي حتى جاءت لحظة التنوير في القصة المثيرة..فلك الشكر على تمكنك من أدواتك وسوف أتابع إبداعك بشغف..تقبل مروري الفقير..
منال مبدع مميز
الجنس : عدد الرسائل : 2338الدولة : قطرالهواية : (ربة بيت)
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الإثنين 10 أغسطس - 12:21
الاستاذ زهير
لست هنا لاقيم قلمك
انا هنا لاقول لك شكرا شكرا لحضورك المميز
ولاسلوبك الذي دون مجامله راق لي .
فخورين بك استاذي.
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الإثنين 10 أغسطس - 21:51
اخي واستاذي الفنان عبد الله من الجماهيرية الشقيقة.. شكرا شكرا جزيلا لك ولتعليقك الرائع الذي اعتززت به هذا الصباح.. والتهمته بنشوة كبيرة.. اتمنى ان اكون في مستوى يسمح لي بأن اكون بينكم هنا معتزا بكم مفتخرا باهتمامكم أساتذتي الكرام.
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الإثنين 10 أغسطس - 22:09
استاذة منال لي كامل الشرف والفخر بمرورك الكريم وتعليقك الجميل.. راقني ما قلتي والفخر كل الفخر لي بمروركم من هنا.
سهى التونسية مبدع مميز
الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 1449تاريخ الميلاد : 25/05/1977العمر : 47الدولة : تونسالهواية : الشعرالمزاج : خريفي
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الإثنين 10 أغسطس - 22:20
الأخ زهير اسليماني راق لي نصك كثيرا و استمتعت بكلماتك المنقاة من قواميس نفسك النابضة،، تحمل الكثير من الصور المغموسة في أعماق ذاك الشاعر المستسلم للمشاعر،، اراك تكتب بقلم إنما القلم ليس سوى معجم للقلب و تتفنن في رونقة الصور و هي التي ترسم بأنامل من ذهب دامت لك أبداعاتك و اشراقتك الفنية تحياتي و احتراماتي
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الإثنين 10 أغسطس - 23:10
استاذتي سهى سلمت يداك التي رسمت لوحة هذا التعليق الجميل.. بروعة ودقة وجمالية كبيرة وجدت لها وقعا حسنا بين ثنايا الضلوع هاتفابامتنان، برقة المرأة ورقة الكلمة ورقة الابداع ورقة الذوق ورقة العاطفة فيك..
سلوى الربيعي مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 15الدولة : العراقالهواية : شاعره
موضوع: امراه يبكي لغيابها الصباح الثلاثاء 11 أغسطس - 4:34
جميل ان يبكي الصباح من اجل أمراة قررت اللاعوده .
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الثلاثاء 11 أغسطس - 4:37
جميل جدا... وصعب جدا يا سيدتي.
بشرى مبدع مميز
عدد الرسائل : 950
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الثلاثاء 11 أغسطس - 6:12
حكي شيق ، يشد القارئ ويحثه على اكمال القراءة حتى الختم.. صيغ تشهد على سارد ضليع متمكن ..اسقاط الحالة "النفسية "و"الفكرية"للبطل على المكان او المحيط الذي يوجد فيه اعطى لهذا الاخير دلالة تفوق دوره المالوف "كوسط يؤطر الاحداث"، اذ اقتحم عالم السرد وساهم في تكثيف هذا الشعور "بالكآبة والضيق.."عند الشخصية مبرزا موقفها من العالم حولها في هذا "الصباح المكفهرجوه ". اسلوب فني محكم كان مصدرا للانبهار استاذي "زهير" ،سردك سما بي وجعلني اردد مع هذا البطل "لماذا نقتل كل الاشياء الجميلة في حياتنا ؟أحقا لأن مآلها الإقبار عاجلا أم آجلا ؟لم اجد جوابا غير ...الصدى المتردد للسؤال ذاته . كل الثناء على هذا التميز . تحياتي ومحبتي.
أمونة سعاد مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 315الدولة : المغربالهواية : موظفة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأربعاء 12 أغسطس - 5:27
الأخ زهير قصة رائعة كلمات نابعة من الأعماق إحساس جميل وصعب أن يبكي الصباح من أجل امرأة تحياتي
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأربعاء 12 أغسطس - 20:21
استاذة بشرى ليس أصعب من أن تجد الاشياء التي تمشي إليها تفر منك.. وليس أصعب من ان تجد الاشياء التي تستميت في الحفاظ عليهاتضيع منك.. إنها لوعة الفقدان من تجعل الحكي سبيلا لتفريغ القليل اليسير من الوجد..
زهير اسليماني مبدع
الجنس : عدد الرسائل : 38الدولة : المغربالهواية : صحفي/الكتابة
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأربعاء 12 أغسطس - 20:26
الاستاذة سعاد.. بكت صباحات ياسيدتي من اجل امراة.. صبحات لا يستشعر دمعها إلا القليل الذين هم في لحظة خوف من المساء.
سميرة جودي مبدع
الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 222تاريخ الميلاد : 10/05/1976العمر : 48الدولة : المغربالهواية : المطالعة-الكتابة-السفر-العمل الجمعويالمزاج : متقلب
موضوع: رد: امرأة يبكي لغيابها الصباح.. الأحد 16 أغسطس - 6:24
امرأة اكيد انها ليست كباقي النساء في هذا النص يبكي لاجله الصباح وبكى لاجلها قلمك ...اغرقتني فعلا في كلماتك الرائعة بقاموس عربي جميل وسرد احترم مقومات السرد العربي ايها المبدع بوركت ودمت متألقا