بقلم نبيل الشاوي- كاتب وناقد فوتوغرافي وشاعر عراقي
لم يكد يمضي على تعيينه في جريدة الجمهورية سوى ثلاثة سنوات حتى حصد المصور الشاب سعد الزبيدي الجوائزالذهبية والفضية والتقديرية من المعرض القطري الذي اقيم في بغداد عام 1995 .
ولم يكن ذلك بالامرالغريب .. حيث انه قد نشأ وترعرع واستلهم حب التصوير من أبيه الفنان الفوتغرافي الراحل جاسم الزبيدي .
كان سعد الزبيدي لم يزل شابا يافعا لما توفي ابوه ، فأراد أن يكون الوريث الشرعي لذلك العرش ، لكن الفن لاوراثة ولا وصاية عليه . ورغم ان وصية الأب لابنه كانت - لاتتخذ من التصوير حرفة لك لانها مهنة الآلآم والمتاعب - الا انه لم يعبأ بها . وبعد فترة وجيزة من وفاة والده حضر الى الجريدة ينوء بثقل الوراثة الذي يحس انه الوحيد من بين اخوانه عليه حمله .. وألم الفراق عن والده الذي كان يعشعش على جفنيه ، فتم تعيينه مصورا .
الفنان سعد الزبيدي دأب على حمل كاميرة والده طيلة سنوات عمله في الجريدة وكأنه يستمد من - رحم عدستها - الامان والمعرفة بل وكأنها كانت تمده بالرؤى الفوتغرافية ، لانها كانت لصيقة من افكار الراحل أبيه ، أو لعله هكذا كان يفكر !!
لم يكن من السهل على مبتدئ في التصوير مثل سعد جاسم الزبيدي ان يشق طريقه نحو الفن ونحو القمة ، وسط مصورين فطاحل لهم الباع العربي والعالمي في قسم التصوير بجريدة الجمهورية ، وان كان خريج معهد الفنون الجميلة !!
لكنه كان يمتلك الوعي .. والحس المرهف أزاء مجريات الحياة وأزاء ماتعانيه الطبقة المعدمة من بؤس وشقاء . وما يجده عند الاطفال الذين فقدوا طفولتهم على الارصفة وفي الورش فأخذ يتنفس هذا الالم وينصهر في بودقة اللعنة التي حذره ابوه منها الا وهي - مهنة الآلآم والمتاعب - لذا لم تكن صور سعد جاسم مجرد التقاطة ، أو لقطات ترف يضاف للفوتغراف كي يشبع الغرائز البصرية والنفسية عند المتلقي .. ولم تكن لوحاته لتعلق على جدران المكاتب الفخمة ، والصالونات لكنها كانت صور تفيض بالانسانية ، والمرارة ، صور من الحياة بكل معانيها , بل كانت لوحاته قصائد وأبيات شعرية تحكي هموم الرصيف والعوز .. والالم الذي يخط غدرانه على جباه الكهول ، والنساء .. الالم الذي ينزل قطرات عرق كرستالية على وجوه الاطفال .. الاطفال الذين لايعرفون من طفولتهم سوى التعب والدموع .
الفنان سعد جاسم الزبيدي واقعيا في التقاطاته ، والمشهد لديه هو الحياة .. وبراءة الطفولة .. والازقة المكتظة بالبؤس .. والطبيعة البكر . انه مثل - الحكواتي - يحكي قصصا في لوحاته الفوتغرافية ، وينقلنا في تضاريس زواياه التصويرية عبر أزمنة من الالفة .. والحزن .. والازقة التي تآكلها النسيان .. بل وحتى في صوره - البورتري - نجد عمق الالم يتكاتف مع انسياب الظل والضوء ليكونا وحدة موضوع متناغمة آسرة .
أخذ الحرفة من ابيه لكنه لم يأخذ بنصيحته .. الا أن موهبته صقلت فصارت فنا .. وآهاته التي كان يطلقها بعد كل عمل تصويري صارت لوحات فوتغرافية تتنتقل في المعارض العالمية لتحصد الجوائز ولتحكي قصة فنان يتآكله هاجس اسمه الانسانية .. والطفولة .. وقضية اسمها الفوتغراف .
[img][center][img]
[/img][/img]
[img]
[/img]
[img]
[/img]
[img]
[/img]
[img]
[/img]
[img]
[/img]