الطرب الحوزي

تنطلق اليوم بتلمسان فعاليات الطبعة الأولى للمهرجان الوطني للحوزي ليستمر على مدى ثمانية أيام بمسرح الهواء الطلق لدار الثقافة عبد القادر علولة لمدينة تلمسان.

وهي التظاهرة الثقافية الوطنية التي ستسمح لمحبي الطرب الأصيل بتذوق مختلف النغمات والقصائد التي يزخر بها هذا الطبع الموسيقي الذي نشأ بمدينة تلمسان وترعرع بأحوازها فتناقلته الأجيال المتعاقبة بغيرة متناهية عن طريق المشافهة أو التدوين ليصل في ثوبه الأصيل دون تشويه أو تحريف.

وفي ملاحظة تعريفية للأخصائيين في علم الموسيقى فإن "الحوزي" يختلف عن الطرب الأندلسي الذي نشأ في غرناطة بالديار الأندلسية ثم انتشر عبر كل الأقطار العربية في بعض الخصوصيات أهمها أن الأول يعد امتدادا للزجل الأندلسي والمستلهم من الشعر العامي، الشيء الذي جعله يستعمل اللهجة التلمسانية المهذبة في قصائده. أما الفرق الثاني فيكمن في الإيقاع بحيث أن الحوزي يعتمد على "البروالي" الخفيف رغم أنه يتقمص إيقاعات وألحان الموسيقى الأندلسية في "صنعة" جديدة الشيء الذي جعل المختصين في الفن يطلقون عليه "الحوزي المصنع".

من أهم شعراء الحوزي يسجل على الخصوص أبوعثمان بن عبد الله المنداسي (1583-1671) وابن تريكي وابن مسايب وابن سهلة الأب والابن (القرن الـ 19). وهي الأسماء التي كان لها باع طويل في فنون الأدب العربي الفصيح وحفظ أمهات القصائد التي جادت بها قريحة فحول الشعراء العرب الشيء الذي سمح لهم بتدبيج أشعار جميلة في الحوزي تنم عن ذوق رهيف. وفضلا عن الطبيعة فإن دواوين الحوزي غنية بشعر الغزل الذي يتغنى بغراميات الشعراء ووصفهم لشوقهم للأحبة وكذا الشعر الاجتماعي والمديح الديني بمختلف أساليبه.

أما الموضوع الذي نال أكبر حصة في هذا النوع من الشعر فهو الحنين إلى الوطن كما يوجد مثلا لدى احمد بن تريكي الذي اضطر إلى الفرار من مدينته خشية من تهديد السلطات الحاكمة وتعسفها ليلتجأ إلى جبال بني زناسن بالمغرب حيث جادت قريحته بأبيات شعرية ممتزجة بالشوق والحنين إلى ارض الوطن ويسمى هذا الغرض الشعري عند الموسيقيين "بالفراق". ومن القصائد التي اشتهرت في هذا النوع نذكر على الخصوص "طال نحبي" و"ممحون ممحون" و"سهم في قوسي بلاني" لصاحبها ابن تريكي.

وللحفاظ على هذا الكنز التراثي النفيس يقتضي الأمر من الفنانين وأصحاب الصنعة أن يؤدوا المقطوعات الحوزية شعرا ولحنا بالقواعد التي عرفت بها وتوارثت عن طريق أصحابها الأصليين والابتعاد عن المحاولات الفاشلة التي ينهجها بعض الموسيقيين المعاصرين الذين اخترعوا لأنفسهم لحنا خاصا ليطبقوه على المقطوعات الحوزية التي احتفظ بها القدماء بغيرة متناهية وأطلقوا عليها أسماء مبتدعة مثل "الشعبي المعاصر". وما تنظيم المهرجان الوطني الأول حول الحوزي بتلمسان إلا مبادرة طيبة يمكن إدراجها في هذا المنظور باعتبارها تساهم في التعريف بهذا الفن والمحافظة عليه.