الحديث عن الأندية السينمائية بالمغرب يستدعي في البداية العودة إلى الأصول والى المحاولات الأولى للتأسيس وبناء تصور يخدم ويبلور طموحات رواد آمنوا في السبعينيات والثمانينات بالحاجة إلى واجهة تدكي الصراع الثقافي وتطور الوعي الفني من خلال اعتماد السينما كأداة ومنطلق يبغي إنتاج وعي جديد بقضايا الوطن والناس والإبداع.
تشكل مشروع الأندية السينمائية في المغرب على هذا الأساس وكان وراء هذا التأسيس نقاد ومهتمون أطروا التجربة وجعلوا منها وسيلة للتثقيف ولأخذ المواقف والمبادرات وتأطير النقاشات التي غالبا ما كانت تتجاوز الفني والسينمائي إلى مسائلة القضايا السياسية والاجتماعية واعين كل الوعي بأن هناك دوما مجال تلتقي فيه هموم وآمال المواطن ورؤاه وتطلعاته.
كانت التجربة في أولها نوعا من النضال الثقافي، كان له الفضل في ما بعد في تكوين جيل من النقاد والسينمائيين والجمهور الواعي، فقد تكون داخل هذه الأندية العديد من الأطر التي ساهمت بعد ذلك بدور كبير في تطوير عمل الأندية وإنضاج رؤاها من جهة وعلى المساهمة الفاعلة في بناء سينما وطنية تتحدث لغة الوطن وتلامس انشغالات الناس من جهة أخرى.
وكان من أهم نجاحات تجربة الأندية السينمائية بالمغرب وإطارها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية هو تأسيسها لمواعيد سينمائية كبرى مثل ملتقى السينما الإفريقية بخريبكة الذي تحول في ما بعد إلى مهرجان يمكن تصنيفه إلى أحد أكبر المهرجانات التي تهتم بسينما القارة السمراء إلى جانب مهرجان واكادوكو.
الرواد المؤسسون لحركة الأندية السينمائية أمثال نور الدين الصايل، وادريس شويكة ومحمد نور الدين افاية وآخرون كان لديهم وعي كبير بأهمية المرحلة فعملوا، رغم كل الإكراهات، على توثيقها وذلك بإصدار مجلة " دراسات سينمائية " وكان العدد الأول في يونيو 1985. المتتبع للشأن السينمائي يجد في هذا العدد مكونات المشروع الثقافي الديمقراطي المنفتح حيث بني رغم الإمكانيات (المادية) المحدودة وكانت دعوته صريحة لكل الفاعلين لتطويره ونقرأ في الكلمة الأولى لهذا العدد : " فلتكن المجلة إطارا لصراع المناهج والرؤى، ولنخرج بنقدنا وقراءاتنا وتنظيراتنا من هذا الحيز الخجول، المخصص لنا في الأندية السينمائية عبر النقاشات المبتسرة والزوايا الهامشية بالمجلات الحائطية إلى مجال أرحب وأوسع (...) هذه انطلاقاتنا، وأنتم الكفيلون باستمرارها، فلتتكاثف الجهود وتتضافر العزائم ليكبر هذا المولود ".
هكذا كان تصور جواسم لسنوات مبني على الحوار والتضحية وكان يحكم الرواد قلق التأسيس الواعي لهدا المشروع. بعد مرحلة التأسيس كان الاشتغال المسؤول على ترسيخ دعائم المشروع وذلك بتأسيس أندية جديدة في عديد من مدن الوطن حيث تأسست أندية في بعض المدن الصغيرة مثل بجعد، غفساي، والماس، الفقيه بن صالح، دمنات، بن جرير، كلميم وغيرها، إلى جانب أندية مدن الرباط، الدار البيضاء، مراكش، الجديدة وكانت رغم كل الإكراهات تقوم بتوفير الأشرطة وتنظم تظاهرات سينمائية محلية ووطنية وتدريبات حول التنشيط وتقنيات السينما.
لكن مع بداية التسعينيات بدأ أفول هذا المشروع الثقافي المجتمعي وحاول العديد من المتتبعين تحديد أسباب هذا الأفول فهناك من رأى أن إغلاق القاعات وانتشار الأفلام المقرضة كان سببا رئيسيا في انحباس أداء الأندية السينمائية إلا أن كل فاعل مباشر في هذا المجال لابد له أن يلاحظ أن الوضع الحالي داخل الأندية السينمائية هو نتيجة مراكمة وضع سادته الارتجالية وسوء التسيير وعدم التوفر على رؤى واضحة للعمل داخل الأندية والمكتب الجامعي.
فيما يخص الأندية، أكدت أغلبية اجتماعات المجلس الوطني خلال نهاية التسعينيات وببداية الألفية الثالثة على ضرورة التفكير في صيغ جديدة للاشتغال، لأن الدور التقليدي المقتصر على طلب الأفلام وعرضها وتنظيم نقاشات شفوية بعد العرض أصبح عملا متجاوزا. وهذا ما انتبهت له بعض الفعاليات من داخل الجامعة كالناقد حاولت بلورة تصور جديد للاشتغال وساهمت في تحقيق جزء منه بمساهمة أندية سينمائية مثل نادي الرشيدية ونادي ايموزار حيث بدأ هذين الناديين يصدران مؤلفا كل سنة يتم فيه تجميع مداخلات الندوة التي تنظم بمناسبة كل دورة من دورات الملتقى السينمائي المنظم في كل من المدينتين.
كما قامت بعض الأندية الأخرى بالتفكير في تنظيم تظاهرات سينمائية ذات بعد وطني (السينما الأمازيغية بورزازات). لكن رغم هذه المحاولات في بعض المدن فلابد من الاعتراف بأن " الأندية " قد تحجرت في السنوات الأخيرة مثلها مثل باقي الجمعيات الجادة، في بعض الطقوس الثابتة، وأصبحت مهمة النادي السينمائي لا تتجاوز عملية التهيئ لعرض الفيلم، ثم عرضه ومناقشته. وقد أصبحت وظيفة النادي بهذا أكثر ميكانيكية وأكثر تقنية، بل لقد تحولت الأندية السينمائية إلى مؤسسة كسولة تتآكل مكوناتها باستمرار." (1)
هذا الكسل والتآكل كرسه وساهم في تعميقه المكتب الجامعي الحالي الذي اختزل كل مهماته في التهافت على حضور المهرجانات، وحتى وإن آمنا بأهمية هذا الحضور فإنه بالنسبة لأعضاء المكتب الحالي لا يتجاوز كونه مناسبة للسياحة عوض أن يكون فرصة لتأكيد حضور جواسم وتجديد فعلها وفاعليتها في الحفل السينمائي. إن التواجد داخل تشكيلة المكتب الجامعي، لا يجب أخذه من جانب إغناء سيرة الشخص بل وجب تعريفه على أساس أنه مسؤولية تدعو إلى كثير من التفكير لأنها تعني بالنسبة للكبار وللعقلاء المحافظة على ارث بناه رجـال أحبوا السينما والوطن وكانت لهم أفكار يدافعون عنها ومشاريع فنية يتبنوها وثوابت فكرية شكلت لسنوات مرجعياتهم وأقنعوا بها كثيرا من محبي الفن السابع حتى توسعت القاعدة وتشكلت فئات من المجتمع تعرف السينما والفن كواجهة للرقي بالحس الثقافي والجمالي للمجتمع.
لكن، وهذا ما يؤسف له، هو أن أعضاء المكتب الحالي لم يقدموا اقتراحات للعمل فحسب بل لم يستطيعوا حتى المحافظة على بعض المكتسبات.
أن تكون للمغاربة جامعة وطنية للأندية السينمائية مكسب يشرفهم ويفتح لهم أبواب الاشتغال على المنتوج السينمائي والاستمتاع الواعي به كفرجة وثقافة لكن ما يمكن أن يحزن كل مغربي عاش هذه التجربة هو ما آلت إليه الأندية التي لم تستطع تجديد فعلها و ما آل إليه مكتبها المركزي الذي لم يبق منه إلا الاسم وبعض الوجوه التي تؤكد انتسابها إلى هذا الإطار كل ما تعلق الأمر بحضور مهرجان كبير، بعض هذه الوجوه، ورغما عن القانون، تتواجد بالمكتب الجامعي، دون انتساب إلى نادي سينمائي. إن للأندية ذاكرة وللجامعة ذاكرة.